المشاركات الشائعة

الخميس، 8 ديسمبر 2011

قصة الطوفان من الوجهة الروحية واللاهوتية


قصة الطوفان من الوجهة الروحية واللاهوتية

أولاً : بعض الاعتراضات على قصة الطوفان والردود عليها:-
الاعتراض الأول:- جاء في (تك 6:6-8): "فحزن الربُ أنهُ عمل الانسان في الأرض وتأسَّف في قلبه فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الأنسان الذي خَلَقُتُهُ. الانسان مع بهائم ودباباتٍ وطيور السماء لأني حزنت أنّي عملتُهم"  فالاعتراض هو. كيف يحزن ويتأسف الله على شيء سبق فصنعُه؟
الرد:- ليس المقصود هنا أن الله ندم على صنعه البشر، أي أن الرب لَم يحزن لأنه أحس بالخطأ مِن جانبه ، فهو حاشاه منزّه عن كل خطأ أو خطية ، ولكن المعنى هنا أن الرب غضب على الانسان الذي لَم يقابل الله بالمحبة التي جعلته يعطيه نعمة الحياة والوجود وكل النِعَم الأخرى فزاغ الانسان عن عبادة الرب الحقيقي وسقط في الخطية ، أي بمعنى أنهم نكروا هذه النِعَم والعطايا فحكموا على أنفسهم بالهلاك بأنفسهم .
الاعتراض الثاني:- ورد في (تك 19:6-20): "ومِن كل حيًّ مِن كل ذي جَسدٍ أثنين من كلٍ تُدخِل إلى الفُلك لاستبقائها معك تكون ذكراً وأنثى ، من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها أثنين من كلٍ تُدخِل إليك لاستبقائها" ويرى المعترضون أن هذا يتناقض مع ماجاء في (تك 2:7-3): "مِن جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعةً سبعةً ذكراً وأنثى ومن البهائم التي ليست بطاهرةٍ أثنين ذكراً وأنثى. ومن طيور السماء أيضاً سبعةً سبعةً ذكراً وأنثى لاستبقاء نسلٍ على وجه كل الأرض".
الرد:- في الوهلة الأولى يظهر تناقضاً بين النصين ، ولكن هذا التناقض يتلاشى عندما نركز على قول الوحي في النص الثاني قائلاً "البهائم الطاهرة" و "البهائم التي ليست بطاهرة" ومعنى الحيوانات الطاهرة هو تلك الحيوانات التي تُقدَّم ذبائح للرب، إذاً فان معنى النص الأول والذي يحدد فيه الرب لنوح أن يأخذ من الحيوانات أثنين أثنين هو لضمان بقاء النسل الحيواني أما في النص الثاني فهو يقصد أمرين هما :-
1- لاستخدام تلك الحيوانات الطاهرة كطعام وغذاء لباقي الحيوانات خصوصاً لتلك المتوحشة منها ، فبدون استبقاء حيوانات إضافية كيف للحيوانات الآكلة اللحوم من البقاء على قيد الحياة طيلة سنة وعشرة أيام؟!
2- الحيوانات الطاهرة كانت تُقَدَّم كذبائح ومحرقات للرب، وعلى هذا فوَجب إبقاء أعداد أكبر منها لاجل هذهِ الغاية ، والدليل على هذا أننا نجد الطوفان في (تك 20:8) التالي : " وبنى نوحٌ مذبحاً للرب . وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقاتٍ على المذبح" إذاً فكان لابد مِن إبقاء ست أزواج عدا الزوج لأجل هذه الغاية . ومن هنا يبطل الادعاء بالتناقض .
تُظهر قصة الطوفان مدى خطورة الخطية، ومَدى كره الرب لها حتى أنهُ دمّر الانسان تاج خليقته المادية بسببها (تك 7:6): "أمحو عن وجه الأرض الانسان الذي خلقته" ولماذا؟ "لان الأرض امتلأتْ ظُلماً منهم فها أنا مهلكهم مع الأرض" (تك6: 13) ، فعدالة الرب المرتبطة بقداسته تجعل من الله مقاوماً للخطية والشر. ولكن مِن الجدير بالملاحظة أن الرب في هذه الحادثة قد ابتدأ بأول عهد وميثاق بين الله والانسان والذي قد تم بمجئ الرب يسوع ، وفي قصة الطوفان توجد بعض النبوات والرموز إلى العهد الجديد منها:-
1- المياه:- ترمز إلى الصليب (أو موت يسوع على الصليب) فالماء الذي هو مصدر الحياة أصبح  وسيلة للموت ، والماء نفسهُ الذي أغرق البشر وكل الكائنات في أيام الطوفان هو ذاتهُ جعل الفُلك يطفو فينجو نوح وكل مَن معهُ من الهلاك، وهذا رمز إلى الصليب الذي دحر الشيطان والخطية وهو في ذات الوقت أنقذ البشر المؤمنين من هذا الموت والهلاك والخطية.
2- الفُلك (السفينة):- ترمز أولاً للرب يسوع الذي حَمَلَ خطايانا ورفعنا بواسطة رفعه على الصليب ، فنوح كشخص أو فرد لايمكن لجسده أن يطفو طويلاً فوق الماء ، فثقل جسده كافٍ لإغراقهِ، ولكن الفُلك هو الذي جعلهُ يطفو أو (يُحمَل) ، بعكس باقي البشر مِن الذين هلكوا آنذاك. ومَن المؤكد أن الآف البشر حاولوا النجاة بان يجذّفوا متعلّقين بقطع من الخشبٍ أو حتى سباحةً ، ولكن كانت نهايتهم الموت غرقاً، وهذا يطابق المحاولات الانسانية الذاتية بعيداً عن سفينة النجاة الحقيقية أي خلاص الرب يسوع وصليبه فكل عمل شخصي لاينبع من الايمان بالمسيح إنما هو محاولة فاشلة للتخلّص من الغرق في بحر الموت والخطية ، فلا نجاة إلا من خلال احتمائنا في الفُلك السماوي الرب يسوع المسيح لهُ المجد.
أيضاً الفلك يرمز للكنيسة التي بها وفيها نحتمي مِن العالم المائت الخارجي ، ومِن الخطية وهي (أي الكنيسة) سفينة نجاتنا وقائدها وربانها الرب يسوع لهُ المجد . وعبارة "وأغلق الرب عليه" (تك 16:7) لذات دلالة كبيرة ، على أن الرب هو الذي أغلق عليها ، أي سد كل أبوابها ومنافذها لئلا يدخلها أي شر أو خطر ، وهو "الراعي الصالح" الذي يقود سفينته الروحية إلى ميناء النجاة ... إلى الملكوت السماوي . وعلى هذا يقول رب المجد في (متى18:16): "وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها".
والفُلك يحتوي على ثلاث طوابق رمز إلى السماوات الثلاثة وأيضاً إلى إيمان الكنيسة بالثالوث الأقدس ، ودَور هذا الثالوث الواحد في جوهره في التدبير ألخلاصي.
والكوّة أو الفتحة ترمز إلى رجاء وإيمان الكنيسة بالحياة الثانية والسعادة الأبدية ، والعين الروحية المنتظرة والساهرة والمستعدة لمجيء المخلّص عريس الكنيسة العظيم.
ووجود باب واحد لاغير، هو إشارة على أنهُ لايوجد سوى باب واحد للنجاة والخلاص هو الرب يسوع لاغير القائل "أنا هو الطريق والحق والحياة" وقد قال كذلك في (يو7:10): "الحق الحق أقول لكم أني أنا باب الخراف.... إن دخل بي أحد فيخلص..." .
3- الحيوانات :- تنوّع الحيوانات واختلافها في داخل الفُلك رمز إلى التقاء الوحوش مع الحيوانات الأليفة، وهذا رمز إلى التقاء جميع الناس المؤمنين من كل القبائل والشعوب كافة ومن جميع الأجناس والأعراق واتحادهم جميعاً في جسد المسيح الواحد (أي الكنيسة)، وهذا يذكّرنا بما رآه مار بطرس في الرؤية ، كما يذكر الوحي في (أع 10:10-16): "فرأى السماء مفتوحةً وإناءً نازلاً عليه مِثلَ مُلاءةٍ عظيمة مربوطةٍ بأربعة أطرافٍ ومُدّلاةٍ على الأرض . وكان فيها كلُ دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء.....". 
أما أعداد الحيوانات الناجية أي (أثنين) ذكراً وأنثى فهو يرمز إلى التلاميذ الذين أرسلهم الرب يسوع أثنين أثنين لكي يكرزوا ، كما يرمزون كذلك إلى أن الخلاص صارَ مُتاحاً للجميع رجالاً ونساءً ذكوراً وإناثاً دون تمييز ، أما العدد السبعة ، فهو رمز إلى الكمال، أي بمعنى أن هذا الخلاص لامحدود ومقدَّم للكل ، أي خلاصاً مطلَقاًً يحصل عليه كل مَن يؤمن ويعتمد. والحيوانات الطاهرة رمز إلى الكهنوت الذي بواسطته يمكن للكنيسة من أن تمارس الأسرار المقدسة.
الباب الجانبي: رمز إلى جنب الرب يسوع الذي طُعِن بالحربة والذي سال منهُ دم وماء فصار باباً للحياة لكل من يؤمن ، فأروى الكنيسة وغسلها وطهرّها من الخطية والإثم، وهو يرمز كذلك إلى قبول الله بالمسيح الجميع دون تمييز فالباب لَم يوضع في المقدمة كدلالة على الناس المتنفذين والمتقدمين ، ولَم يوضَع في الخلف على الناس العاديين فقط ، بل مِن الجانب كإشارة على أن باب الرحمة والخلاص مفتوح أمام الكل.
4- القار:- يرمز القار هنا إلى الحماية الكاملة مِن قِبَل الرب للكنيسة ، وقوله في (تك15:6): "وتطليه مِن داخلٍ ومِن خارجٍ بالقار" دلالة على حماية الرب لكنيسته مِن داخلها، أي ضد الهرطقات والبِدَع ومِن المسيحيين المزيفين، ومِن الخارج ضد أعمال الشيطان الخارجية مِن خلال غير المؤمنين، ومِن المعلوم أن القار يستخدم من خلال صهره بالنار، وهذا رمز إلى عمل الروح القدس في الكنيسة.
5- جبال أراراط :- ترمز هنا إلى انتصار المؤمن بالمسيح والذي يسمو بالايمان و (الماء) المعمودية على الخطية، فيغلبها ويرتفع على شهواته فيرفعه الرب فوق "جبل قدسه" .
6- الغراب :- رمز إلى الموت والذي يعتاش على الجثث ، والهلاك الذي ينهي كل كائن حي.
7- الحمامة :- رمز إلى الروح القدس الذي حل في المؤمنين وخروجها إلى المياه رمز إلى عمل الروح القدس في المعمودية وفي تجديد البشرية إلى الحياة وهذا يذكرّنا بالآية الثانية في الاصحاح الأول مِن سفر التكوين: "وروح الله يرف على وجه المياه" ، فالروح القدس هو في استعداد دائم لتجديد الخليقة والعمل.
8- ورقة الزيتون :- رمز إلى السلام الذي فاض به الروح القدس ، من خلال خلاص المسيح الذي أنتشر بواسطة عمل روح الله في الرسل والمؤمنين .
9- المحرقة والعهد :- ذكر تقديم الذبائح والمحرقات ثم وعد الله مباشرةً بعدم تكرار الطوفان العالمي هو رمز وإشارة إلى ذبيحة المسيح الكفارية التي من خلالها ستنقذ الكنيسة من الغضب الآتي ودخولها في عهد جديد مع الرب .... هو عهد النعمة والسلام.
10- قوس قزح :- رمز إلى الصليب الذي ربط وصالح السماء بالأرض ، والله بالبشرية وأيضاً إلى نعمة المسيح المتفاضلة (المتزايدة) الكاملة ، إذ أن قوس قزح فيه الألوان السبعة والعدد سبعة يرمز إلى الكمال.
11- السحاب :- رمز إلى علامات غضب الرب ، والتي أظهرت ذلك الغضب في الطوفان عندما أمطرت حتى غرقت الأرض ، فالآن وبظهور القوس قزح في السُحب رمز إلى تلاقي عدل ورحمة الله في الصليب، فيبتعد غضب الله عن البشر بواسطة صليب المسيح (رحمة ومحبة الله).   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                    

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

قصة الطوفان والعلم


قصة الطوفان والعلم

هناك اليوم مَن يقول إن قصة الطوفان المذكورة في الكتاب المقدس أنما هي مجرد ميثولوجيا أو أسطورة خيالية ناتجة من التأثّر بآداب الأمم الأخرى ، إذ يرى البعض أن هذه القصة مأخوذة مِن ملحمة كلكامش البابلية ، ولكن هذا شيء غير صحيح وقبل التطرّق لهذه المسألة لابد لنا مِن عرض بعض النقاط العلمية التي تؤيد ماورد في قصة الطوفان الواردة في الكتاب المقدس.
أبعاد الفلك
يأمر الرب نوح قائلاً في (تك 14:6 و 15): "اصنع لنفسك فُلكاً ... وهكذا تصنعهُ ثلاثَ مئةِ ذراعٍ يكون طولُ الفُلكِ وخمسينَ ذراعاً عرضهُ" وبرغم أن الفينيقيين خبراء الملاحة كانوا يبنون سفنهم بنسبة 2:1 والرومان بنسبة 10:1، فان الكتاب المقدس يقول إن الرب أمر نوح بان يبني الفُلك بنسبة 6:1 أي لنسبة العرض إلى الطول وهذه النسبة هي المتبعة في عصرنا الحالي عصر العلم والتكنولوجيا لبناء السفن باعتبار هذه النسبة هي الأمثل.
سعة الفُلك([1]):
كما ذكرنا أن الرب أوصى نوح ببناء الفلك وفق مقياس هو 300 ذراع أي (135متر) للطول، وللعرض 50ذراع أي (22.50)متر وكذلك للارتفاع 50ذراع وهذه القياسات تُعطي سعة كبيرة للفُلك ، وحول هذه السعة الكاملة للفلك قام العالم William petric (بترك) وهو أحد علماء الاركيولوجي بدراسة خاصة حول هذا الموضوع وقد كتب حول الأمر، ويظهر من دراسته أن قاع الفلك كان مفلطحاً في أسفله ومربعاً عند الأطراف وقائم الزوايا غير مقوس وليس له مؤخرة أو مقدمة وهذا يجعل حمولتهُ تزيد عن حمولة أي سفينة أخرى بنفس المقاسات بمقدار الثلث ، وعلى ذلك كان حجم الفُلك 2.958.000 قدماً مكعباً وهذا الحجم يجعل حمولة الفُلك ضخمة جداً كحمولة قطار شحن به ألف عربة مِن العربات الكبيرة.
حمولة الفُلك:-
كيف وَسِعَ الفُلك الكائنات الحية فيه؟
1- أن 60% مِن الكائنات الحيوانية تعيش في الماء وبالتالي المراد إدخاله للفلك 40% فقط مِن الحيوانات .
2- يقول الرب في (تك 6:20) :"مِن الطيور كأجناسها ومِن البهائم كأجناسها ومِن كل دبابات الأرض كأجناسها..." إذاً فالمطلوب إدخال زوج مِن كل جنس وليس مِن كل نوع للفُلك، والمعروف أن الجنس يختلف عن النوع، فالجنس الواحد يشمل عدة أنواع ، فيمكننا أن نقول عن الكلاب أنها (جنس الكلاب) أما أنواعها فكثيرة ، وهكذا عن الخيول والحمير والقطط...الخ. وهذه الأنواع المختلفة للجنس الواحد يمكنها التزاوج  فيما بينها وإنجاب أنسالاً غير عقيمة.
وبما أن الرب أمر نوح بإدخال زوج واحد فقط مِن كل جنس فان هذا الأمر خفف عن نوح الكثير من المشاكل في المكان والاستيعاب لكل أجناس الحيوانات لاستبقاء كل الكائنات الحيوانية.
3- أيضاً أن 70% من الكائنات التي تعيش على اليابسة إنما هي حشرات  صغيرة الحجم.
وعلى هذا يصبح من السهل جداً إدخال بقية الحيوانات في الفُلك.
شمولية الطوفان:-
يرى بعض نقاد كتاب المقدس أن الطوفان إنما هو فيضان مَحلي ثم حِيكت حولهُ الحكايات ليظهر على أنه شامل عَمّ كل الأرض. وهناك بعض النظريات في هذا المجال ، ولكن الكتاب المقدس يؤكد أن الطوفان كان شاملاً وعاماً إذ يقول الوحي في (تك 19:7): "وتعاظمت المياه كثيراً جداً على الأرض فتغّطتْ جميعُ الجبال الشامخة التي تحت كلِ السماء.." إذاً فالوحي يقر إن الطوفان عام ولكن ماهي الأدلة العلمية على هذا الأمر؟
1- انتشار الرواسب في العالم كله، فلو كان مجرد فيضان جزئي لَما صارت الرسوبيات في كل أنحاء العالم.
2- انتشار الحيوانات والنباتات المتحجرة في جميع العالم، إذ عثر علماء الجيولوجيا على رواسب في جميع أنحاء العالم ومتحجرات في مناطق جيولوجية متعددة وتحتاج هذه الكائنات المتحجرة إلى سرعة نقل ودفن قبل التحلل وهذا يحدث فقط في الفيضانات الشديدة.
وقد عثر العلماء حديثاً في بعض الجبال على حيوانات مفصلية من ذوات الثلاثة فصوص محفوظة متحجرة ، ووجدوا حشرات صغيرة متحجرة دون أي أثر لتحللها، وهذا يوحي أنها لَم تمُت موتاً بطيئاً ، بل بسبب كارثة مفاجئة مثل فيضان نوح .
3- وجود أسماك محفوظة في الصخور :- إن وجود أسماك أو قواقع في الصخور يبدو غريباً وغامضاً حيث أن الأسماك لاتُدفَن بسهولة ، إذ أنها عند موتها تطفو على السطح ، أو تغوص إلى القاع وتلتهمها الأسماك الأخرى ، غير إن تلك الأسماك المتحجرة وُجِدَت سليمة على الغالب ، ولَم توجد في حالة مزرية أو بأعداد قليلة، بل على شكل أفواج كاملة وعلى مساحات كبيرة يصل أعدادها بالبلايين ، كما أنها وُجِدَتْ في حالة صراع عنيف مع الموت ولكن بدون أي اثر عليها من هجوم من حيوانات أخرى ويقول (هاري لاد) مِن المساحة الجيولوجية بالولايات المتحدة عن مجمع سمكي في سانتا باربارا بولاية كاليفورنيا حيث يوجد أكثر من بليون سمكة متوسطة ، ماتت على مساحة 4أميال مربعة في قاع الخليج، والسؤال هو كيف تم حبسها هناك مالَم يكن بسبب الطوفان ؟
4- وجود كائنات قارية في مناطق باردة:-
إذ وُجِدَت مقبرة تم اكتشافها بالقرب مِن (دياموند فيل يونج) في طبقة رسوبية ، حيث تقدم لنا نماذج سليمة من الأسماك والنباتات المتحجرة مِن أحسن النماذج في العالم لأسماك ضخمة ، وسعف نخيل ووجود سعف النخيل يؤكّد النظرية الجيولوجية القائلة بأن المناخ كان قارياً عكس المناخ الحالي وكل هذه تؤكّد وجود فيضان شديد وتؤكد تغيّر المناخ على سطح الأرض .
5- وجود مزيج مِن الحفريات المتحجرة مِن جميع أنحاء العالم :- فقد وُجِد مزيج مِن كائنات حية تنتمي إلى مواطن وبيئات مختلفة ، ويعتقد الكثير مِن العلماء أن هذا يحدث بفعل عملية تسمى  allochthonuوالتي فيها يتم نقل المواد بسرعة إلى موقعها النهائي حيث يتم ترسيبها في ظروف الفيضانات ، ويؤكد هذا الاعتقاد رواسب الكهرمان البلطيقية الشهيرة في غرب أوربا والتي قام ببحثها بحثاً شاملاً دقيقاً دكتور هربرت نلسون المدير السابق لمعهد النبات السويدي حيث يقول:- (إن الحشرات المكتشفة هناك من أنواع حديثة – ليست من عصر ماقبل التاريخ، ومن المدهش جداً أنها تنتمي إلى كل مناطق الكرة الأرضية).
6- وجود الكائنات محفوظة بحالة جيدة:-
وفي بعض الحالات ترسبت أوراق النباتات وبقيت محفوظة في حالة نضرة والكروفيل فيها في حالة جيدة. كما إن هناك حقيقة أخرى وهي وجود الأجزاء الرخوة من الحشرات مثل العضلات والأدمة (باطن الجلد) والبشرة ووجود الغدد ومحتويات الأمعاء، علماً أنه من المفترض أن هذه الأشياء تتحلل وتتلف في أيام محدودة أو ساعات وهذا يبرهن أنها عُزلَت في فترة قصيرة جداً وبسرعة كبيرة.
7- اكتشاف صناعات بشرية في الصخور الرسوبية إذ قد عُثر على أواني معدنية بعضها في أعماق سحيقة في باطن الأرض ، وفي عام 1889 عُثر على دمية طينية على عمق 300 قدم من سطح الأرض، فكيف وصلت هذه الأشياء إلى تلك الأعماق وتحت رسوبيات متنوعة من الرمال الخشنة والناعمة والصخور دون طوفان كبير؟
8- العثور على حفريات بحرية متحجرة على قمم الجبال:- إذ تم اكتشاف تلك المتحجرات على ارتفاعات عالية ، وهذا يعتبر دليلاً جيولوجياً قوياً على حدوث طوفان كوني، فكيف وجدت هذه الكائنات البحرية على قمم الجبال دون أن تغمرها المياه الحاملة لها ؟ وعند انحسارها ماتت تلك الكائنات فوق قمم الجبال.
9- وجود حمم متوسّدة على ارتفاع 14000قدم على جبل اراراط ، والحِمم المتوسّدة عبارة عن حمم بركانية تتعرض لتبريد سريع تحت الماء فيجعلها تأخذ أشكالاً مستديرة تشبه الوسادة ووجود هذه الحمم على هذا الارتفاع يؤكد التالي:-
أ- إن هذه الجبال كانت مغمورة بالمياه في ذلك الوقت وهذا مايتطابق مع الوحي الذي يقول ويؤكد أن المياه قد غمرت رؤوس الجبال .
ب- إن حركات أرضية مِن زلازل وبراكين قد حدثت في ذلك الوقت مما أدّى إلى خروج حِمَمْ بركانية وأدّى كذلك إلى اندفاع المياه من باطن الأرض إلى سطحها وهذا أيضاً يتوافق مع قول الكتاب المقدس في (تك7: 11) :- "انفجرتْ كلُّ ينابيع الغمر" .
10- العثور على عظام حيوانات مختلفة في أجزاء من القطب الشمالي، فكيف وصلت هذه العظام لولا مرور تلك الثلوج بحالات من الذوبان وتجلب مِن الجنوب العظام والهياكل العظمية قبل انجمادها ثانية.
كل هذه الأدلة تؤكد وتبرهن على أن الطوفان كان كونياً وليس كما يدعي البعض مِن أنه جزئي أو أنه فيضان محلّي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ     

([1]) من كتاب (الكتاب المقدس والعلم) تأليف :الأنبا بولا أسقف طنطا . 

الأحد، 13 نوفمبر 2011

قصة الطوفان وملحمة كلكامش









قصة الطوفان وملحمة كلكامش

قُلنا في المحاضرة الثالثة أن بداية النقد العالي للكتاب المقدس بدأ في القرن السابع عشر على يد الفيلسوف اليهودي المولد سبينوزا ، إذ نفى نسبة التوراة لموسى النبي ، ولكن بقيت تلك الادعاءات ضعيفة إلى القرن التاسع عشر حينما أُكتشفت ملحمة كلكامش المعروفة عام 1853 وقد أعلن (جورج سمث) عام 1872 عن نبأ اكتشافه لقصة الطوفان البابلية.
ومنذ ذلك الحين عَلَتْ أصوات النقّاد ضد الكتاب المقدس. مدّعين أن التوراة أنما هي نسخة مطوّرة لتلك الملحمة البابلية على اعتبار التشابه الكبير بين قصتي الخليقة والطوفان، فهل هذا صحيح ؟

ملحمة كلكامش:-
   دُونت قبل 4000عام تقريباً ، أي 2000 سنة قبل الميلاد وكُتِبَت باللغة الأكدية البابلية وتحكي موضوع أساسي هو حتمية الموت على البشر ، وكلكامش شخصية حقيقية – أسطورية ثلثاهُ مِن (الآلهة الخالدة)  والثلث الآخر بشري كان في مدينة الوركاء الأولى مِن عصر السلالات (2800-22600ق .م) وهو خامس ملوك سلالة الوركاء الأولى ، ودام حكمه 126 عام وبعد وفاته حوّلته القصص الشعبية والتقليدية إلى بطل أسطوري مِن خلال ملحمة كلكامش وتحكي القصة بحث كلكامش عن الخلود من خلال صراع مع انكيدو الذي صار فيما بعد صديقهُ ، وتتألف الملحمة من 12 لوح طيني ، وقد عُثر على ألواح لهذه الملحمة ولكن بلغات أخرى وجاءت قصة الطوفان البابلية بصور عديدة وجاءت أسماء أبطالها على النحو الآتي ضمن اللوح البابلي والملحمة كاملة كان اسمه (أُتو – نبشتم) وباللغة السومرية كان اسمه (زيو- سدرا) وفي لوح بابلي آخر دُعي بـ (خيسثروس) ويأتي ضمن رواية بابلية أخرى باسم (أترا – حاسس) .


أسباب ربط القصتين:-
يذهب النقاد إلى ربط قصة الطوفان في كِلا المصدرين (أي الكتابي والملحمي) بل يؤكدون على تأثر (كاتب) التوراة بقصة الطوفان البابلية وذلك بناءً للأسباب الآتية:-
1- أن فترة كتابة ملحمة كلكامش بدأت قبل الميلاد ب2000 سنة وهذا يعني أنها سبقت التوراة.
2- وجود تشابه بين القصتين. وهذه التشابهات تعطي الدليل (حسب رأي النقاد) على أن التوراة قد استقت من تلك الملحمة.
3- وجود نسخ عديدة محوّرة وملاحم لنفس القصة مع اختلاف وتطوّر وهذه النسخ جاءت بلغات أخرى ولأمم أخرى.
وجود تقاليد ثلاثة رئيسية في التوراة، وهذه التقاليد هي تعبر عن حِقَبْ،أو مصادر جُمعَت فيما بعد لتكّون أخيراً التوراة.
وللرد على هذه الدراسات نقول:-
1- صحيح إن زمن كتابة وتدوين ملحمة كلكامش كان في بداية الألف الثاني قبل الميلاد. لكن هذه الملحمة هي عبارة عن أجزاء تبلغ 12، وهذه الأجزاء لَم تكتمل صيغتها النهائية إلاّ في حدود عام (1250) ق.م أي مابين العصر البابلي القديم والعصر الكشّي على يد الجامع والكاتب الكاهن الذي ذُكِرَ أسمهُ بهيئة (سين – ليقي – اونني) والذي ورد اسمهُ في إحدى نسخ الملحمة وهذا يعني إن اكتمالها كان بعد كتابة موسى للتوراة أي تقريباً مابين (1500 و 1300) ق.م ، وفي كل الأحوال لايمكن أن يكون موسى قد كتب التوراة متأثراً بهذه الملحمة كونه كتب وهو في برية سيناء البعيدة عن المدنية ، وثانياً لأنه كتب بعد خروجه مِن مصر، وهناك فرق بين كِلا الحضارتين الفرعونية وحضارة مابين النهرين العراقية.
2- هناك تشابهات بين قصة الطوفان البابلية وبين الطوفان التوراتي وهذه التشابهات هي:-
أ- إن الله في التوراة هو الذي أمر بالطوفان وفي الملحمة البابلية أن الآلهة أمرت بإغراق الأرض.
ب- أن نوح بطل الطوفان التوراتي و (اترا - حاسس) هو بطل الطوفان البابلي وكلاهما تم تحذيرهما مِن قِبَل السماء وإنذارهما.
ج- بَطَلَي الطوفان كلاهما نجا وعائلتهُ مِن الغرق بواسطة سفينة صنعاها وفق مواصفات الله أو الآلهة ، وأن يُصعِدا معهما الحيوانات لاستبقائها.
ء- كلاهما أُمِرا أنْ يطليا السفينة بالقار (تك 14:6).
هـ- في كِلا القصتين ذُكِرَت مدة الطوفان.
و- كُلاً منهما أرسل الطيور للتأكد مِن نقصان المياه.
ي- كليهما قدم ذبيحة أو قربان سواء لله في سفر التكوين، أو للآلهة في القصة البابلية.
ش- في كِِلا القصتين تُبارك السماء البطلين.

وردّاً على هذه التشابهات نقول:-
إنّ حدث عالمي كالطوفان وفي صميم التاريخ البشري لابد مِن أن يكون لهُ أبعاد على البشر، لذا فأن حادثة الطوفان المدّونة في كلا القصتين أي التوراتية والبابلية هي ترجع إلى ذات الحدث ولكن مع تغيير وتشويه بالنسبة لما ذكرتهُ ملحمة كلكامش ، وأما التوراة الموحاة فقد حافظت على دقة الأحداث بكل أمانة ، والدليل على ذلك الاختلافات بين القصتين ، فقلما يأخذ النقّاد بعين الاعتبار التباين بين القصتين، وهي المفتاح الحقيقي الذي يكشف كون التوراة هي التي يُعتَمَد عليها وأنها تحوي القصة الحقيقية والتاريخية للطوفان الكوني ، وهذه الاختلافات هي:-
أ- إنّ مِن أهم الاختلافات وأقواها بين الملحمتين هو عبادة الإله الواحد في الحكاية التوراتية ، بعكس القصة البابلية ومع أن العديد مِن الأمم والشعوب القديمة قد تأثرت بشكل أو بآخر بتلك الأقاصيص أو الحكايات، إلا أنها جميعها قد اتفقت في أمر مشترك ورئيسي وهو أن هناك آلهة متعددة قد تدخّلوا بشكل مباشر أو غير مباشر في الأحداث فلماذا لَم يتأثر اليهود بهذهِ الآلهة أو بعبادتها؟   
والجواب :- إن كاتب التوراة الحقيقي ومِن ضمنها قصة الطوفان هو الله الواحد، فمثلاً تبدأ ملحمة (أترا – حاسس) في رواية الطوفان بـعكس طوفان نوح بـ: (حينما كان الآلهة مثل البشر) وهذه الفقرة وحدها كافية لتثبيت الفرق.
ب- في ملحمة كلكامش نرى الأسلوب الساذج والطفولي في سرد هذه الحكايات ، لابل أن حتى العلاقة بين تلك الآلهة تظهر على تلك الشاكلة، بينما في التوراة عموماً وفي قصة الطوفان خصوصاً نرى الأسلوب السامي والمترفّع عن الملابسات النفسية البشرية والارهاصات الفكرية والمخاوف الانسانية ونشاهد التعامل الجدي والمتوازن سواء بالنسبة للرب وأخلاقياته أو طريقة تعامل الله مع البشر ، وهكذا فأن التوراة تختلف حتى في أسلوبها عن أسلوب الروايات البابلية.
ج- تظهر سذاجة الآلهة في ملحمة كلكامش بحيث أن الآلهة أزعجها البشر وهي غارقة في النوم، فيقول انليل أحد أكبر الآلهة: (إنّ ضوضاء البشر قد ثقلت عليَّجذرياً بالنسبة لطوفان التوراة إذ يقول الرب القدوس بقلم كليمه موسى في (تك 5:6-6): "ورأى الربُ أنَّ شرَ الانسان قد كَثُرَ في الأرض ، وأنَّ كُلَّ تصور أفكار قلبهِ إنما هو شريرٌ كل يوم ، فحزن الرب .... فقال أَمحو عن وجه الأرض الانسان الذي خلقته" فأين هو ذاك التأثّر ؟ أنه لا وجود له.
ء- ذكرنا في المحاضرة السابقة أهمية أبعاد الفلك التي هي بنسبة 6:1 وهي النسبة الأفضل علمياً وعملياً في بناء السفن، ولكننا نجد الآلهة تأمر (اترا – حاسس) أن يبني الفلك بشكل مكعب طول كل ضلع فيه 120 ذراع أي بنسبة 1:1 وهذا يخالف المعطيات العلمية في بناء السفن كما يقول أيضاً في ملحمة (اتو –بنشتم) للطوفان الآتي : (وطول كل جانب من جوانب سطحها الأربعة مائة وعشرون ذراعاً) ، فما الذي جعل الكتاب يكون بهذه الدقة ، عكس ملحمة كلكامش؟
هـ- أوصى الرب نوحاً بأن يجعل كُوّاً في الفلك أي نافذة للتهوية، بينما لانجد هذا الأمر في الملحمة البابلية ، إذ أن جدران السفينة مغلق مِن كل الجوانب، وطبعاً نحن نتساءل كيف يمكن أن يبقى بطل الطوفان البابلي هو ومَن معهُ على قيد الحياة دون فتحة تهوية؟!
ك- الاختلاف الآخر الهام هو في أمرِ الرب لنوح بان يدخل اثنين اثنين من كل الكائنات البرية والطائرة لأجل استبقائها وسبعة أزواج لأجل استخدامها كطعام وقرابين ، وتُنتَقى من كل جنس فقط، وهذا مايجعل إمكانية حملها في الفُلك أمراً مقبولاً ، بينما لانجد هذا الأمر في ملحمة كلكامش ، ففي قصة الطوفان كما يرويها (أتو – نبشتم) يقول :- (وحملتُ فيها كل ماكان عندي مِن المخلوقات الحية ، أركبتُ فيها حيوان الحقل والبَر) .
س- الأمر الهام جداً والمختلف بين القصتين ، أنه في التوراة يذكر في (تك7: 17) التالي :- "وتكاثرت المياه ورفعت الفُلك ، فارتفع عن الأرض..." أي أن الفُلك وهو في مكانه ارتفع إلى الأعلى نتيجة المياه المتزايدة، فلَم يكن الفُلك بحاجة لأن يُجرّ إلى الأنهر لكي يسير أما في الطوفان البابلي فالأمر مختلف تماماً إذ يقول في طوفان (اتو – نبشتم) عن السفينة:- (وكان إنزالها إلى الماء أمراً صعباً فكان عليهم أن يبدلوا الأثقال في الطوابق العلوية والسفلية إلى أن غطس في الماء ثلثاها...) وهذا طبعاً يعطي الصورة الدقيقة على قوة كلمة الله المقدسة المدونة في الكتاب المقدس.
ر- مدة الطوفان في التوراة تختلف عنها في الملحمة البابلية ، فمدة الطوفان في التوراة دام سنة و10 أيام، بينما في ملحمة كلكامش يذكر أنها 7 أيام .
ف- ومِن أهم الاختلافات بين القصتين هو ماورد في (تك 20:8-21) :- "وبنى نوحٌ مذبحاً للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقاتٍ على المذبح ، فتنسَّم الربُ رائحةَ الرضا" ولكننا نجد في ملحمة الطوفان البابلية (ملحمة اترا – حاسس) الآتي :( وجهز الطعام .. وشم الآلهة طعام الوليمة فتجمعوا كالذباب على القرابين...) فيا ترى أيهما المفترض أن يكون هو الأصل؟
وهناك العديد من الاختلافات الأخرى منها أن الكتاب المقدس يقول أن نوحاً أرسل حمامة وغراباً بينما الملحمة أن بطلها أرسل حمامة وسنونو وغراباً ، أيضاً أن التوراة تقول أن الفُلك كان ذا 3 طبقات أما الملحمة فتقول أنه مكون من 7 طبقات وغيرها وهذه كلها كافية لأن تنهي الرأي القائل بان التوراة استقت عن ملحمة الطوفان البابلية ، فكيف لَم يأخذ الكتاب المقدس بكل تلك الاختلافات خصوصاً وان مايختلف فيه الكتاب المقدس يجعل مِن القصة منطقية ومطابقة للعلم ومعقولة؟
3- إن وجود نسخ عديدة للملحمة ولقصة الطوفان، لايعني أن الكتاب المقدس قد أخذ من الحكاية البابلية فبالاضافة إلى ماذكرناه نقول:- أن تعدد نسخ وصور الملحمة – ملحمة الطوفان بين مختلف الشعوب هي ليست دليلاً ضد الكتاب المقدس بل معه، فقصة الطوفان منتشرة في مختلف الأساطير العالمية منها الصينية ، وتذكر أحداها أن اسم بطل الطوفان هو (نو – واه) وهو مقارب لاسم (نوح) لابل إن عدد الأشخاص الناجين في السفينة عددهم 8، وهذا يؤيد ماجاء في الكتاب المقدس ، وكذلك يوجد طوفان الاسكيمو في الآسكا وفي أمريكا توجد 58 رواية مختلفة عن الطوفان ، وفي تركيا وفي لبنان وغيرها من الأماكن ، وهذه كلها تسند وتدعم قصة الطوفان في الكتاب المقدس ، فاننا لو قمنا بدراسة كل تلك الأساطير لرأيناها مختلفة جميعاً مع قصة التوراة ، فكلها تحمل صبغة أسطورية واحدة رغم تعدد الأسماء أو الأساليب ، ولكن وحدها قصة الطوفان التوراتي تبقى بعيدة وسليمة عن كل تلك الخرافات المضحكة ، فما الذي ميزّ القصة الكتابية عن كل تلك الأساطير؟! إنه من المفترض أن تتطور تلك القصة عبر الزمان، ولكن صور تلك الملاحم الحديثة نسبياً متخلفة جداً عن صورة الطوفان في العهد القديم فما السبب ؟! إذاً فوجود نسخ عديدة لقصة الطوفان ليس دليل إلا لصالح قصة نوح الكتابية وليست ضدها .
4- يقول النقاد أنه يوجد في التوراة تقاليد ويقصد بالتقاليد مصادر شفوية أو مقاطع تحريرية تكوّنت عبر الزمن ثم جمعت فيما بعد ، وفي حالة التوراة يقول النقاد أن موسى كتب جزءً منها وآخرون يقولون أنه لَم يكتب أصلاً وأنها تتألف مِن تقاليد ثلاثة رئيسية أسموها التقليد (الالوهيمي، الألوهي) نسبة إلى (الوهيم) ومختصره E والمصدر الآخر هو التقليد (اليهوي أو جيهوفا) نسبةً إلى (يهوه) ومختصره أو رمزه J وأيضاً يوجد المصدر الكهنوتي P وهذه التقاليد الثلاثة يقول النقاد انه تم جمعها بعد السبي البابلي ، وهذه الدراسات كلها تعتمد الأسلوب التحليلي ليس إلا وهي خاطئة وسنفصلها في المحاضرات القادمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ