قصة الطوفان والعلم
هناك اليوم مَن يقول إن قصة الطوفان المذكورة في الكتاب المقدس أنما هي مجرد ميثولوجيا أو أسطورة خيالية ناتجة من التأثّر بآداب الأمم الأخرى ، إذ يرى البعض أن هذه القصة مأخوذة مِن ملحمة كلكامش البابلية ، ولكن هذا شيء غير صحيح وقبل التطرّق لهذه المسألة لابد لنا مِن عرض بعض النقاط العلمية التي تؤيد ماورد في قصة الطوفان الواردة في الكتاب المقدس.
أبعاد الفلك
يأمر الرب نوح قائلاً في (تك 14:6 و 15): "اصنع لنفسك فُلكاً ... وهكذا تصنعهُ ثلاثَ مئةِ ذراعٍ يكون طولُ الفُلكِ وخمسينَ ذراعاً عرضهُ" وبرغم أن الفينيقيين خبراء الملاحة كانوا يبنون سفنهم بنسبة 2:1 والرومان بنسبة 10:1، فان الكتاب المقدس يقول إن الرب أمر نوح بان يبني الفُلك بنسبة 6:1 أي لنسبة العرض إلى الطول وهذه النسبة هي المتبعة في عصرنا الحالي عصر العلم والتكنولوجيا لبناء السفن باعتبار هذه النسبة هي الأمثل.
سعة الفُلك([1]):
كما ذكرنا أن الرب أوصى نوح ببناء الفلك وفق مقياس هو 300 ذراع أي (135متر) للطول، وللعرض 50ذراع أي (22.50)متر وكذلك للارتفاع 50ذراع وهذه القياسات تُعطي سعة كبيرة للفُلك ، وحول هذه السعة الكاملة للفلك قام العالم William petric (بترك) وهو أحد علماء الاركيولوجي بدراسة خاصة حول هذا الموضوع وقد كتب حول الأمر، ويظهر من دراسته أن قاع الفلك كان مفلطحاً في أسفله ومربعاً عند الأطراف وقائم الزوايا غير مقوس وليس له مؤخرة أو مقدمة وهذا يجعل حمولتهُ تزيد عن حمولة أي سفينة أخرى بنفس المقاسات بمقدار الثلث ، وعلى ذلك كان حجم الفُلك 2.958.000 قدماً مكعباً وهذا الحجم يجعل حمولة الفُلك ضخمة جداً كحمولة قطار شحن به ألف عربة مِن العربات الكبيرة.
حمولة الفُلك:-
كيف وَسِعَ الفُلك الكائنات الحية فيه؟
1- أن 60% مِن الكائنات الحيوانية تعيش في الماء وبالتالي المراد إدخاله للفلك 40% فقط مِن الحيوانات .
2- يقول الرب في (تك 6:20) :"مِن الطيور كأجناسها ومِن البهائم كأجناسها ومِن كل دبابات الأرض كأجناسها..." إذاً فالمطلوب إدخال زوج مِن كل جنس وليس مِن كل نوع للفُلك، والمعروف أن الجنس يختلف عن النوع، فالجنس الواحد يشمل عدة أنواع ، فيمكننا أن نقول عن الكلاب أنها (جنس الكلاب) أما أنواعها فكثيرة ، وهكذا عن الخيول والحمير والقطط...الخ. وهذه الأنواع المختلفة للجنس الواحد يمكنها التزاوج فيما بينها وإنجاب أنسالاً غير عقيمة.
وبما أن الرب أمر نوح بإدخال زوج واحد فقط مِن كل جنس فان هذا الأمر خفف عن نوح الكثير من المشاكل في المكان والاستيعاب لكل أجناس الحيوانات لاستبقاء كل الكائنات الحيوانية.
3- أيضاً أن 70% من الكائنات التي تعيش على اليابسة إنما هي حشرات صغيرة الحجم.
وعلى هذا يصبح من السهل جداً إدخال بقية الحيوانات في الفُلك.
شمولية الطوفان:-
يرى بعض نقاد كتاب المقدس أن الطوفان إنما هو فيضان مَحلي ثم حِيكت حولهُ الحكايات ليظهر على أنه شامل عَمّ كل الأرض. وهناك بعض النظريات في هذا المجال ، ولكن الكتاب المقدس يؤكد أن الطوفان كان شاملاً وعاماً إذ يقول الوحي في (تك 19:7): "وتعاظمت المياه كثيراً جداً على الأرض فتغّطتْ جميعُ الجبال الشامخة التي تحت كلِ السماء.." إذاً فالوحي يقر إن الطوفان عام ولكن ماهي الأدلة العلمية على هذا الأمر؟
1- انتشار الرواسب في العالم كله، فلو كان مجرد فيضان جزئي لَما صارت الرسوبيات في كل أنحاء العالم.
2- انتشار الحيوانات والنباتات المتحجرة في جميع العالم، إذ عثر علماء الجيولوجيا على رواسب في جميع أنحاء العالم ومتحجرات في مناطق جيولوجية متعددة وتحتاج هذه الكائنات المتحجرة إلى سرعة نقل ودفن قبل التحلل وهذا يحدث فقط في الفيضانات الشديدة.
وقد عثر العلماء حديثاً في بعض الجبال على حيوانات مفصلية من ذوات الثلاثة فصوص محفوظة متحجرة ، ووجدوا حشرات صغيرة متحجرة دون أي أثر لتحللها، وهذا يوحي أنها لَم تمُت موتاً بطيئاً ، بل بسبب كارثة مفاجئة مثل فيضان نوح .
3- وجود أسماك محفوظة في الصخور :- إن وجود أسماك أو قواقع في الصخور يبدو غريباً وغامضاً حيث أن الأسماك لاتُدفَن بسهولة ، إذ أنها عند موتها تطفو على السطح ، أو تغوص إلى القاع وتلتهمها الأسماك الأخرى ، غير إن تلك الأسماك المتحجرة وُجِدَت سليمة على الغالب ، ولَم توجد في حالة مزرية أو بأعداد قليلة، بل على شكل أفواج كاملة وعلى مساحات كبيرة يصل أعدادها بالبلايين ، كما أنها وُجِدَتْ في حالة صراع عنيف مع الموت ولكن بدون أي اثر عليها من هجوم من حيوانات أخرى ويقول (هاري لاد) مِن المساحة الجيولوجية بالولايات المتحدة عن مجمع سمكي في سانتا باربارا بولاية كاليفورنيا حيث يوجد أكثر من بليون سمكة متوسطة ، ماتت على مساحة 4أميال مربعة في قاع الخليج، والسؤال هو كيف تم حبسها هناك مالَم يكن بسبب الطوفان ؟
4- وجود كائنات قارية في مناطق باردة:-
إذ وُجِدَت مقبرة تم اكتشافها بالقرب مِن (دياموند فيل يونج) في طبقة رسوبية ، حيث تقدم لنا نماذج سليمة من الأسماك والنباتات المتحجرة مِن أحسن النماذج في العالم لأسماك ضخمة ، وسعف نخيل ووجود سعف النخيل يؤكّد النظرية الجيولوجية القائلة بأن المناخ كان قارياً عكس المناخ الحالي وكل هذه تؤكّد وجود فيضان شديد وتؤكد تغيّر المناخ على سطح الأرض .
5- وجود مزيج مِن الحفريات المتحجرة مِن جميع أنحاء العالم :- فقد وُجِد مزيج مِن كائنات حية تنتمي إلى مواطن وبيئات مختلفة ، ويعتقد الكثير مِن العلماء أن هذا يحدث بفعل عملية تسمى allochthonuوالتي فيها يتم نقل المواد بسرعة إلى موقعها النهائي حيث يتم ترسيبها في ظروف الفيضانات ، ويؤكد هذا الاعتقاد رواسب الكهرمان البلطيقية الشهيرة في غرب أوربا والتي قام ببحثها بحثاً شاملاً دقيقاً دكتور هربرت نلسون المدير السابق لمعهد النبات السويدي حيث يقول:- (إن الحشرات المكتشفة هناك من أنواع حديثة – ليست من عصر ماقبل التاريخ، ومن المدهش جداً أنها تنتمي إلى كل مناطق الكرة الأرضية).
6- وجود الكائنات محفوظة بحالة جيدة:-
وفي بعض الحالات ترسبت أوراق النباتات وبقيت محفوظة في حالة نضرة والكروفيل فيها في حالة جيدة. كما إن هناك حقيقة أخرى وهي وجود الأجزاء الرخوة من الحشرات مثل العضلات والأدمة (باطن الجلد) والبشرة ووجود الغدد ومحتويات الأمعاء، علماً أنه من المفترض أن هذه الأشياء تتحلل وتتلف في أيام محدودة أو ساعات وهذا يبرهن أنها عُزلَت في فترة قصيرة جداً وبسرعة كبيرة.
7- اكتشاف صناعات بشرية في الصخور الرسوبية إذ قد عُثر على أواني معدنية بعضها في أعماق سحيقة في باطن الأرض ، وفي عام 1889 عُثر على دمية طينية على عمق 300 قدم من سطح الأرض، فكيف وصلت هذه الأشياء إلى تلك الأعماق وتحت رسوبيات متنوعة من الرمال الخشنة والناعمة والصخور دون طوفان كبير؟
8- العثور على حفريات بحرية متحجرة على قمم الجبال:- إذ تم اكتشاف تلك المتحجرات على ارتفاعات عالية ، وهذا يعتبر دليلاً جيولوجياً قوياً على حدوث طوفان كوني، فكيف وجدت هذه الكائنات البحرية على قمم الجبال دون أن تغمرها المياه الحاملة لها ؟ وعند انحسارها ماتت تلك الكائنات فوق قمم الجبال.
9- وجود حمم متوسّدة على ارتفاع 14000قدم على جبل اراراط ، والحِمم المتوسّدة عبارة عن حمم بركانية تتعرض لتبريد سريع تحت الماء فيجعلها تأخذ أشكالاً مستديرة تشبه الوسادة ووجود هذه الحمم على هذا الارتفاع يؤكد التالي:-
أ- إن هذه الجبال كانت مغمورة بالمياه في ذلك الوقت وهذا مايتطابق مع الوحي الذي يقول ويؤكد أن المياه قد غمرت رؤوس الجبال .
ب- إن حركات أرضية مِن زلازل وبراكين قد حدثت في ذلك الوقت مما أدّى إلى خروج حِمَمْ بركانية وأدّى كذلك إلى اندفاع المياه من باطن الأرض إلى سطحها وهذا أيضاً يتوافق مع قول الكتاب المقدس في (تك7: 11) :- "انفجرتْ كلُّ ينابيع الغمر" .
10- العثور على عظام حيوانات مختلفة في أجزاء من القطب الشمالي، فكيف وصلت هذه العظام لولا مرور تلك الثلوج بحالات من الذوبان وتجلب مِن الجنوب العظام والهياكل العظمية قبل انجمادها ثانية.
كل هذه الأدلة تؤكد وتبرهن على أن الطوفان كان كونياً وليس كما يدعي البعض مِن أنه جزئي أو أنه فيضان محلّي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ